أعلم أن هذا الموصوع قد كتب فيه الكثير ، ولمقام في نفس وتذكير لها ولغيرها ، أقول :
يا عين لماذا لا تبكين من خشية الله والشوق إليه ؟!
يا عين ادمعي دمعةً واحدة من خشية الله :
( فَوَيْلٌ لّلْقَـٰسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـئِكَ فِى ضَلَـٰلٍ مُّبِينٍ ) [الزمر 22].
عن أبي هريرة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ـ ، قال : قال رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ : " سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله : إمام عادل ، وشاب نشأ في عبادة اللَّه ، ورجل قلبه معلق في المساجد ، ورجلان تحابا في اللَّه اجتمعا عليه وتفرقا عليه ، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف اللَّه ، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر اللَّه خالياً ففاضت عيناه " . رواه البخاري (2/119 ، 124) ، ومسلم (1031) .
قال الحافظ في الفتح (2/360) : " قوله : (ففاضت عيناه) أي فاضت الدموع من عينيه .... في رواية حماد بن زيد عند الجوزقي : " ففاضت عيناه من خشية الله " ، ونحوه في رواية البيهقي " .
وقال الحافظ في الفتح (2/366) : " ذِكر الرجال في هذا الحديث لا مفهوم له بل يشترك النساء معهم فيما ذكر ، إلا إن كان المراد بالإمام العادل الإمامة العظمى ، وإلا فيمكن دخول المرأة حيث تكون ذات عيال فتعدل فيهم . وتخرج خصلةُ ملازمة المسجد لأن صلاة المرأة في بيتها أفضل من المسجد ، وما عدا ذلك فالمشاركة حاصلة لهن ، حتى الرجل الذي دعته المرأة فإنه يتصور في امرأة دعاها مَلِك جميل مثلاً فامتنعت خوفاً من الله تعالى مع حاجتها ... " . أهـ
قلت : أو دعاها رجل ذا منصب وجمال مع حاجتها فقالت : إني أخاف الله .
وعن ابن مسعود ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ـ ، قال : قال لي النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ : " اقرأ علي القرآن " قلت : يا رَسُول اللَّهِ ، أقرأ عليك ، وعليك أنزل ؟! قال : " إني أحب أن أسمعه من غيري " فقرأت عليه سورة النساء ، حتى جئت إلى هذه الآية : ( فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ) [النساء 41] قال : " حسبك الآن " فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان . رواه البخاري (8/188 ، 189 ) ، ومسلم (800) .
وعن أنس ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ـ قال : قال رَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ لأبي بن كعب ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ ـ : " إن اللَّه عَزَّ وَجَلَ أمرني أن أقرأ عليك : ( لم يكن الذين كفروا ) (البينة) " قال : وسماني ؟ قال : " نعم " ، فبكى . رواه البخاري (7/96 ) ، ومسلم (799) .وفي رواية : فجعل أبيٌ يبكي .
وعن ابن عمر ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما ـ قال : لما اشتد برَسُول اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم ـ وجعه ، قيل له في الصلاة ، فقال : " مروا أبا بكر فليصل بالناس " فقالت عائشة ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنها ـ : إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ غلبه البكاء ، فقال : " مروه فليصل " .
وفي رواية عن عائشة ـ رَضِيَ اللّهُ عَنْها ـ قالت : قلت : إن أبا بكر إذا قام مقامك لم يسمع الناس من البكاء . رواه البخاري (2/138) ، ومسلم (418) ، (94) .
عن عبد الله بن شقيق العقيلي قال : سمعت كعبًا [ كعب الأحبار ] يقول : لأن أبكي من خشية الله تعالى حتى تسيل دموعي على وجنتي أحب إليّ من أن أتصدق بوزني ذهبًا ، والذي نفس كعب بيده ما من عبد مسلم يبكي من خشية الله حتى تقطر قطرة من دموعه على الأرض فتمسه النار أبدًا حتى يعود قطر السماء الذي وقع إلى الأرض من حيث جاء ولن يعود أبدًا . رواه ابن أبي شيبة في المصنف (8/299) .
وفي حلية الأولياء ( 3/278) ، وطبقات الحنابلة (1/396) : أن رجلاً لقي يحيى بن أكثم ، وهو على قضاء القضاة ، فقال : له أصلح الله القاضي : كم آكل ؟ قال : فوق الجوع ودون الشبع ، قال : فكم أضحك ؟ قال : حتى يسفر وجهك ولا يعلو صوتك ، قال : فكم أبكي ؟ قال : لا تمل البكاء من خشية الله ، قال : فكم أخفى من عملي ؟ قال : ما استطعت ، قال : فكم أظهر منه ؟ قال : ما يقتدى بك البر الخير ويؤمن عليك قول الناس ، قال الرجل : سبحان الله قول قاطن وعمل ظاعن .
والبكاء يكون :
(1) من خشية الله .
(2) من السرور .
(3) من الكرب أو ( الجزع والهلع ) .
(4) من السَّكَر .
(5) من الخوف أو ( التفجيع ) .
(6) من الألم .
وبكاء الخشية يختلف عن أي بكاء ، فما سواه من البكاء ؛ فإنه يصدع الرأس ، ويضعف البصر ، يورث الفترة والغفلة .
(وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) [الإسراء109]
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في نونيته :
واجعَل لوجهكَ مُقلَتَينِ كِلاَهُما*** مِن خَشيةِ الرَّحمنِ بَاكِيَتَانِ
فداوي عينيك بدموع البكاء من خشية الله يكن لها النجاة غداً من النار .
أرجو الرد ولو بكلمة شكر،،،