رحم الله السيدة هاجــــــــــر أين نحن منها ؟؟
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، أما بعد : -
روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : (... ثم جاء بها إبراهيم وإبنها إسماعيل وهي ترضعه حتى وضعهما عند البيت، عند دوحة فوق زمزم في أعلى المسجد ، وليس بمكة يومئذ أحد ، وليس بها ماء ، فوضعهما هنالك ، ووضع عندهما جرابا فيه تمر ، وسقاء فيه ماء . ثم قفـّى إبراهيم مُنطلقا، فتبعته أم إسماعيل ، فقالت : يا إبراهيم ! أين تذهب وتتركنا بهذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ ! فقالت له ذلك مرارا، وجعل لا يلتفت إليها . فقالت له : آلله الذي أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذا لا يضيعنا . ثم رجعت ، فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يَرَوْنَه استقبل بوجهه البيت، ثمَ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [إبراهيم 37] . وجعلت أم إسماعيل ترضع إسماعيل وتشرب من ذلك الماء، حتى إذا نفدَ ما في السقاء عَطِشَت، وعَطِشَ ابنها، وجعلت تنظر إليه يتلوى ـ أو قال : يتلبَط ـ فانطلقت كراهية أن تنظر إليه، فوجدت الصفا أقرب جبل في الأرض يليها، فقامت عليه، ثمَ استقبلت الوادي ، تنظر هل ترى أحدا ؟ فلم ترَ أحدا، فهبطت من الصفا، حتى إذا بلغت الوادي رفعت طرف درعها ثم سَعَتْ سَعْيَ الإنسان المجهود، حتى جاوزت الوادي، ثم أتت المروة فقامت عليها ونظرت، هل ترى أحدا ؟ فلم تر أحدا، ففعلت ذلك سبع مرات، قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( فلذلك سعى الناس بينهما ) . فلما أشرفت على المروة سمعت صوتا ، فقالت صَهْ ! ـ تريد نفسها ـ ثمَ تسمعت ، فسمعت أيضا ، فقالت : أسْمَعْتَ إن كان عندكَ غواث . فإذا هي بالملك عند موضع زمزم ، فبحث بعقبه ـ أو قال : بجناحه ـ حتى ظهر الماء ، فجعلت تحوضه وتقول بيدها هكذا ، وجعلت تغرف من الماء في سقائها ، وهو يفور بعدما تغرف . قال ابن عباس : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : (يرحم الله أم إسماعيل ! لو تركت زمزم ـ أو قال : لو لم تغرف من الماء ـ لكانت زمزم عينا معينا) قال : فشربت وأرضعت ولدها، فقال لها الملك : لا تخافوا الضيْعة ، فإن ها هنا بيتَ الله ، يبني هذا الغلام وأبوه ، فإن الله لا يُضَيّع أهله ....) .
الله أكبر !! ... [ لا تخافوا الضيْعة ، فإن ها هنا بيتَ الله ، يبني هذا الغلام وأبوه ، فإن الله لا يُضَيّع أهله ] .
" نعم والله ... " إن الله لا يُضَيّع أهله " !! . بشارة بطول عمر، وتشييد بناء ، وحفظ من رب الأرض والسماء !! .
إن صدق المحبة لله - تعالى - يتجلَى عند الإمتحـان ...عند الإبتلاء . فيستشعر العبد فضل الدعاء وأهميتــه، مدركاً عظمة المدعو ـ الرب تبارك وتعالى ـ ، ولذة مناجاته والقرب منه ، فهو - سبحانه - السميع العليم المجيب ، الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .
إن الطمأنينة والرضا، نفحة إيمانية، ولذة روحيـة، لا يستشعرها إلاَ من كان قلبه متصلا بالله، متعـلقا بالله، مطمئنا بذكر الله، وما عند الله، نابضا بالحركة والحياة، تشع روحه نورا ينبئ عن تميز إيمــاني، وتهذيب نفسي ، متجها بمشاعره ... إلى حب الله - تبـارك وتعالى - ، وحب رسوله – صلى الله عليه وسلم – ، ملتزما بالمنهج الرباني الذي أنزله الله- جلّ في علاه - على رسوله - صلى الله عليه وسلم – ، لا يحيد عنه قيد أنملة، قدر اٍستطاعته .
وذلك بتمام التسليم والرضى بقضاء الله وقدره ، والثبات على الحق ، وحسن التوكل على الله - عز وجل - ، بعد بذل الجهد بالدعاء، والسَعي للأخذ بالأسباب المشروعة، وعدم اليــــأس والقنوط من رحمة الله، واليقين بما عند الله، وما أعده الله - تبـارك وتعالى – لعباده الصالحين من نصر وتمكين .
ولنا في السيدة هاجرأسوة حسنة ، ومثال رائع في الطاعة ، وتمام التسليم ، والرضى ، وحسن التوكل على الله - سبحانه وتعالى- ، فقد تركها زوجها إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - إمرأة ضعيفة ورضيعها في أرض قفراء، لا إنس فيها ولا أنيس، ولا شجر ولا ماء، فقالت له : (يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه إنس ولا شيء ؟ ! . فقالت له ذلك مرارا ، وجعل لا يلتفت إليها . فقالت له :- آلله أمرك بهذا ؟ قال : (نعم) .
فأجابت إجابة الواثقة بالله – تبارك وتعالى - ، وبعظيم قدرته وسعة رحمته قائلة : إذاً لا يضيعنا اللـــــــه، ثم رجعت.
رجعت ... طاعة لأمر الله - تعالى - برضى وطمأنينة ! وهدوء نفسي ! وتسليم بلا تسخط، ولا تذمر، ولا اعتراض .
تعلم أن الأجل مقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الله الخلق بخمسين ألف سنة ، وكذلك الرزق مقدر مكتوب. فعن أبي الدرداء – رضي الله عنه قال : قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : ( الرزق أشد طلبا للعبد من أجله ) (حديث حسن) انظر : [ صحيح الجامع 3551 ] .
يرزق الله بفضله وكرمه من يشاء من عباده بغير حساب، يرزق البرّ منهم والفاجر، والمؤمن والكافر ... فكيف بأوليائه.
وانطلق إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - ودعا بدعاء المضطر الذي يعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليه، دعا بدعاء الوالد الحنون، والزوج المشفق، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم : ( ... فانطلق إبراهيم حتى إذا كان عند الثنية حيث لا يرونه استقبل بوجهه البيت، ثمَ دعا بهؤلاء الكلمات ورفع يديه فقال : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ } [ إبراهيم 37 ] .
ودعا أيضا فقال : { رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخرِ قال وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [البقرة : 126]".
واستجاب الله – تبارك وتعالى - الدعاء، فبدّل الوحشة فيها أمنا، والقحط رخاء ونماء. ليقوم الناس على طاعته وعبادته وحده لا شريك له في هدوء وطمأنينة .
قال - تعالى - : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ} [العنكبوت: 67 ]
وقال - تعالى - : { لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ } [ سورة قريش 1- 4 ] .
فها هي ذي " مكـــــــــــة المكرمـــــــــــــــة " بفضل الله - تعالى - محطّ أنظار الناس على مدى الزمان ، تهفو إليها القلوب المؤمنة وتشتاق ! وتشدّ إليها الرحال ، ويهون الفراق ، فراق الأهل والأحبة ، لأداء شعيرة من شعائر الله - عز وجل -، تزكو بها النفوس وتطهر ، لتكون أهلا لكرامة الله - تبارك وتعالى - في جنة عرضها كعرض السموات والأرض .
فعَلامَ الأمراض النفسية التي يعاني منها الكثيرون في زماننا ؟؟، عَلامَ القتل، والتناحر، والتدابر ؟ عَلامَ الرشوة، والربا، والعقوق، وقطع الأرحام، وأكل أموال الناس بالباطل، عَلامَ الإستغراق في الجري وراء دنيا دنية فانية ؟.
علامَ الخوفُ والهَلعُ من المستقبل وقد تكفّل الله – تعالى - به ؟ .
عن عبدالله بن محصن – رضي الله عنه قال : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ) (حديث حسن) أخرجه (البخاري في الأدب المفرد). والترمذي (2346)، وابن ماجه (4141) انظر : (صحيح الجامع 6042).
فالحمد لله على نعمة الأمن والإيمان، ورحم الله السيدة هاجر .
أين نحن منها ؟؟ .
فلنراجــــع أنفســـــنا !! .