إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَ لُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1]
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71]
أما بعد
فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى هدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة فى النار .
أحبتي في الله :
من أنا ؟!! والجواب بالتفصيل لأهمية الجواب على هذا السؤال أؤصله بمقدمة مهمة جداً بين يدي الجواب ، وأستهل هذه المقدمة بهذه الكلمات :
أقول : إن كل جهل مهما عظمت نتائجه قد يغفر ، إلا أن يجهل الإنسان خالقه سبحانه وتعالى ، وسر وجوده ، والغاية التي من أجلها خُلق ، فالجهل فى جانب العقيدة لا يغتفر ، وهو أن يجهل الإنسان خالقه ، وأن يجهل الإنسان الغاية التي من أجلها خُلق ، فأكبر عار على هذا الإنسان الذي آتاه الله - عز وجل - العقل والإرادة وميزه على سائر المخلوقات في الكون أكبر عار عليه أن يعيش غافلاً عن الله ، فيأكل ويتمتع كما تأكل الأنعام ، لا يفكر في خالق ، ولا يبحث عن غاية ، ولا عن الوظيفة الذي من أجلها خُلق ولها ابتعث ، ولا يبحث عن طبيعة دوره في هذه الأرض ، حتى يأتيه الأجل والموت ، دون أن يستعد لهذا اليوم فيجنى ثمرة الغفلة والجهل والانحراف في عمره الطويل أو القصير ، وحينئذ يندم يوم لا ينفع الندم ، وهو بين يدي الله تبارك وتعالى يرى نفسه أخس من البهائم والحيوانات ، فإن البهائم والحيوانات كلها عرفت ربها وسجدت له ، قال تعالى : أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَـا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ ، وقال تعالى في شأن
هذا الصنف الذي هو أخس من البهائم ، الذي يجهل خالقه ، ويجهل غاية وجوده وسر ابتعاثه في هذه الأرض قال تعالى : وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْأِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ تدبر القول بعد ذلك أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ هذا الصنف الخبيث الذي يقول قائله :
جئت لا أعلم من أين ؟ ولكني أتيت .. ولقد أبصرت قدامي طريقاً فمشيت وسأمضي في طريقي شئت هذا أم أبيت ..كيف جئت ؟ كيف أبصرت طريقي ؟ لست أدري !! بهيمة ، نعم بهيمة ، لا يعرف خالق ، ولا يعرف غاية وسر وجوده في هذه الأرض كما قال الله- عز وجل- وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ فأي جهل أبشع وأفظع من أن يجهل الإنسان الذي يتعالى بعقله ، ويتعالى بإبداعاته المادية ، أي جهل من أن يجهل ربه وخالقه الذي خلقه وبعثه وأوجده - سبحانه وتعالى - هذا هو الجهل الذي لا يغتفر .
لهذا كان لزاماً على كل إنسان عاقل أن يبادر ويسأل نفسه هذا السؤال : لماذا خُلقت؟، وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ؟ وحتماً قبل طرح هذين السؤالين ، لا بد وأن تطرح على نفسك من أنا ؟ من أوجدني ؟ من خلقني ؟ تسأل نفسك أيضاً إلى أين ؟ وما المصير ؟ وإلى أين أسير ؟ لا بد أن تطرح على نفسك هذه الأسئلة لتتعرف على الغاية التي من أجلها خُلقت ، فإن عرفت من خالقك ، وعرفت الغاية التي من أجلها من أجلها خُلقت ، حينئذٍ ستعرف من أنت ، وستعرف مصيرك ومسيرك ، فلا بد من الإجابة على هذه الأسئلة من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ أي : ولماذا خُلقت ؟
هذه هي الأسئلة التي صاحبت الإنسان في كل فترات حياته ، وفي كل مكان وجد فيه ؟ وهي تطلب من أي إنسان الجواب الشافي لها في كل مرحلة من مراحل العمر ، وفي كل مكان على وجه البسيطة من يوم خلق الله - عز وجل - آدم - عليه السلام - من أين جئت أنا ؟ وإلى أين أسير ؟ ما هو مصيري ؟ وما هو مسيري الذي أتجه فيه ؟ وما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ، ولأجلها بُعثت ؟ ولا بد من هذه المقدمة قبل أن أشرع في الحديث عن العبادة تأصيلاً لغوياً واصطلاحياً .
أقول : أما السؤال الأول : من أنا ؟ أو من أين أنا ؟ فهوة عقدة العقد عند الماديين الملحدين في كل زمان ومكان أن يجيبوا أو أن يطرحوا على أنفسهم هذا السؤال ، من أين ؟ من الذي خلقني ؟ ومن الذي أوجدني ؟ هؤلاء الذين لا يؤمنون إلا بما تقع عليه الحواس أي : إلا بما تراه الأعين فهو يؤمن بهذا المصباح الذي يراه بعينه منيراً مضيئاً ، لكنه في الوقت ذاته يغض الطرف عن تيار كهربائي لا يراه بعينه الذي هو سر إضاءة هذا المصباح!! فهو مادي أعمى لا يؤمن إلا بما تراه عينه حتى لو كذبه عقله ، هؤلاء يتخذون منطق العقل فى رؤسهم - زعموا - دليلاً على الوصول إلى الحق والحقيقة ، ويصرون في عمى عجيب على أن هذا الكون بما فيه ومن فيه وُجِدَ وحده ، وكل ما في هذا الكون من إحكام وترتيب إنما هو صنع المصادفة العمياء !!
أما الذين يستجيبون لنداء الفطرة في كل زمان ومكان ، فهؤلاء يقرون حتماً بأن لهذا الكون إله ورباً حكيماً عظيماً جل جلاله ، تتجه قلوبهم إليه - سبحانه وتعالى - بالتعظيم، والرجاء ، والخشية ، والتفويض ، والتوكل ، والإنابة والعبادة بصفة عامة، يشعرون بخالق هذا الكون ويتجهون إليه سبحانه بفطرهم السليمة النقية التي لم تعكرها الماديات والشبهات والشهوات ، قال تعالى فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الروم:30]
لكن هذا الصوت - أعني صوت الفطرة - قد يخفت في قلب وعقل إنسان ، أو قد يكبت هذا الصوت صاحبه عمداً ، نعم عمداً عن كبر ، فالمشركون ما أنكروا هذه الحقيقة ، ما أنكروا أن الله - عز وجل - هو الخالق بل كفروا به - سبحانه وتعالى - كبراً وعناداً ، إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ [الصافات:35]
قال تعالى وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ [النمل:14]
فهؤلاء يقرون بهذه الحقيقة لكنهم قد يرفضونها كبراً وعناداً - وركزوا معي جيداً ، فهذا كلام مهم جداً - فالفطرة قد تخفت في قلب وعقل إنسان عن قصد ، وعن عمد من صاحبه ، فإذا نزلت بهذا الإنسان نفسه أزمة أو أحداث مريرة أو مشكلة واهتز هذا الإنسان أمام هذه الأزمة وهذه الشدة وخاب أمله في كل الناس من حوله تراه ينطلق مرة أخرى مستجيباً لهذا الصوت الذي يعلو في أعماقه ، ألا وهو صوت الفطرة فيتجه مرة أخرى رغم أنفه لله - جل وعلا- .
تدبر معي هذا الحوار النفيس الجميل ، فلقد سأل رجل الأمام جعفر الصادق عن الله ، فاقل له جعفر : ألم تركب البحر ؟! فقال : بلى . فقال جعفر : فهل حدث لك مرة أن هاجت بكم ريح عاصفة ؟! قال : نعم قال جعفر : وأنقطع أملك من الملاحين ووسائل النجاة ؟ قال : نعم ، قال : فهل خطر في بالك وانقدح في نفسك أن هناك من يستطيع أن ينجيك إن شاء ؟! قال : نعم ، قال : هذا هو الله - سبحانه وتعالى - .
وهذه الحقيقة تثبتها آيات كثيرة جداً في القرآن ، تدبر معي قول الله تعالى : وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً وقوله تعالى وَإِذَا مَسَّ الْأِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَائِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [يونس:12] .
وقوله تعالى : وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ [لقمان:32]
وقال تعالى : وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ … [الإسراء:67] ولا حول ولا قوة إلا بالله .. هذه طبيعة !! قال الله تعالى : يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ % الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ [ الانفطار: 6-8 ] .
فإذا كان منطق الفكرة يهدى الله تعالى ، والفطرة ليست وجداناً خالصاً ، بل وليست عقلاً خالصاً ، ولكنها مزيج بين الوجدان - أى القلب - والعقل .
أقول مع ذلك ، فإن العقل السوي فقط يرى الإيمان بالله تعالى ضرورة لا يستطيع الإنسان على الإطلاق أن يعيش بدونها ، فإن العقل بغير تعلم ، وبغير اكتساب يؤمن حتماً بقانون السببية ، هذه الورقة فى يدى الآن تهتز لسبب ، هذا هو قانون السببية ، لأننى أحركها ، فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية ، يؤمن بهذا القانون إيمانه بكل البدائيات والأولويات التي لا تحتاج إلى دليل ، يعني لا يبنبغي لعاقل إذا رأى الشمس ساطعة فى أفق السماء أن يقول : ما هو الدليل على أن الشمس طالعة ؟ بل يجب أن يسأل : ما هو الدليل على وجود عقله فلى رأسه ؟ هكذا الذى دخل يوماً على طلابه وأراد بهذا القانون أن يثبت الضد ، فقال لهم : يا أولاد هل ترون أستاذكم ؟ قالوا : نعم ، فقال : هل ترون السبورة التى أكتب لكم عليها ؟ قالوا : نعم ، قال : هل ترون الكرسي الذي أجلس عليه ؟ قالوا : نعم ، وتدرج بهذه الأسئلة إلى أن قال : هل ترون الله ؟
قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !! فقيض الله تلميذاً صغيراً من تلاميذه ، فاستأذن أستاذه ووقف إلى جواره ، واتجه التلميذ إلى زملائه وقال : يا أخواني هل ترون عقل الأستاذ ؟ قالوا : لا ، قال : إذاً غير موجود !!
فالعقل بدون تعلم وبدون اكتساب يؤمن بقانون السببية إيمانه بالأمور الأولية الابتدائية التي لا تحتاج إلى دليل على وجودها ، فلا يقبل أبداً العقل السوي فعلاً بغير فاعل أبدً ، ولا يقبل العقل السوي صنعاً بغير صانع .
وهذا القانون هو الذى عبر عنه الأعرابى الأول ببساطة شديدة حيث لم يتخرج فى جامعة من الجامعات ، وأن شئت فقل ما تخرج إلا من جامعة الفطرة ، حينما سئل عن الله - عز وجل - فقال بعقله الذى آمن بقانون السببية البدائى هذا فقال : البعرة تدل على البعير ، وأثر السير يدل على المسير ، سماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، أفلا يدل كل ذلك على اللطيف الخبير ؟.
هذا هو القانون ببساطة شديدة ، هذا هو الذي عبر عنه الإمام أحمد – إمام أهل السنة طيب الله ثراه - حينما أمسك البيضة يوماً ، وقال : هذا حصن حصين أملس ليس له باب ، وليس له نفذ ، كالفضة البيضاء ، وباطنه كالذهب الإبريز ، وبينما هو كذلك إذا أنصدع جدراه ، وخرج منه حيوان سميع بصير ، ذو شكل حسن ، وصوت مليح !!
هذا هو القانون الذى عبر عنه الإمام الشافعى حينما أمسك ورقة التوت يوماً فقال : ورقة التوت تأكلها الغزالة فتعطينا مسكا ، وتأكلها الشاة فتعطينا لبناً ، وتأكلها دودة القز فتعطينا حريراً !!
إن الطعام واحد ، ولو كانت الأمور بالمصادفة العمياء ، لكانت عصارة الطعام للطعام الواحد واحدة ، ولكنها كانت فى الشاة لبناً ، وكانت في الغزالة مسكاً ، وكانت فى الدودة حريراً ، أنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور .
يقول عالم الطبيعة المشهور إسحاق نيوتن : لا تَشُكٌوا في الخالق فإنه مما لا يعقل أن تكون المصادفات وحدها هي قاعدة هذا الوجود !!
ليس ممكناً أبداً أن تكون الصدفة هي التي خلقت هذا الوجود بهذا الإبداع ، والجلال ، والجمال .
والله العظيم لو نظر عالم من هؤلاء العلماء الذين لا يؤمنون بالله ، والله لو نظر إلى كوز الذرة لَوَحّد الله وعبده ، هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء كيف رُصَّتُ على القولحة بهذا الجمال والإتقان والتناسق والإبداع ، والله لو أنصف لوحد الله وعبده .
يقول سبنسر نقلاً عن عالم أخر يقال له هرشل : إن العالم الذي يري قطرة الماء فيعلم أنها تتركب من الأكسجين والهيدروجين بنسبة خاصة (ذرة أكسجين ، وذرتين هيدروجين) ، بحيث لو اختلفت هذه النسبة لكانت شيئاً أخر غير الماء يعتقد في عظمة الخالق وقدرته وحكمته وعلمه الواسع بصورة هى أقوى وأعظم من هذا الذي لا يرى في قطرة الماء إلا أنها نقطة ماء فحسب !!.
فالعالم الذي يدرك الحقائق ينظر إلى هذه الآية فيزداد إيماناً بالله سبحانه وتعالى فيختلف عن إيمان العبد الذي ينظر إلى قطرة الماء على أنها قطرة ماء .
يقول فرنسيس بيكون : إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد .
فهذه الفلسفة طريق للإلحاد . ، والعجيب أنهم كانوا يدرسون لنا في الثانوية قاعدة تقول : (أنا أشك إذاً أنا موجود) ولو صدقوا لقولوا : (أنا أشك إذاً أنا دبوس) لكن ما هي علاقة الشك بالوجود ؟ أي أنه بدأ حياته بالشك إبتداءً ، والشك لا يمكن أبداً أن يوصل إلى حقيقة مطلقة أبداً ، بل إن عصفت رياح الشكوك بالقلوب ضل الخلق ، ولذلك ربنا - سبحانه وتعالى - يصف المؤمنين بأن رياح الشك لا تهب ولا تعصف بقلوبهم أبداً إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]
أى : لم يتشككوا ، إن من يبدأ بالشك لكي يصل إلى الحقيقة : هذا إضلال لعقول أبنائنا وأولادنا ، وكم من الناس من اقتنع بهذه النظريات الفلسفية الباهتة الفارغة ، التي يغني بطلانها من إبطالها ، لكننا وبكل أسف كنا نسلم القلوب والعقول لهؤلاء على أنهم لا ينطقون عن الهوى ، فإذا جاء القول من عالم غربي سلمنا العقل والقلب وكأنه لا يخطئ!!
ثم جاء بعد ذلك صنف خبيث ممن ينسبون إلى الإسلام في بلاد المسلمين ضخموا ، ونفخ فيهم ليكونوا شيئاً مذكوراً وهم في الحقيقة كالطبل الأجوف ، يُسمَعُ من بعيد وباطنه من كل الخيرات خالٍ .
يقول فرنسيس بيكون : (( إن القليل من الفلسفة يميل بعقل الإنسان إلى الإلحاد ولكن التعمق فيها - تعمق العقل في هذه الأشياء بإنصاف - ينتهي بالعقول إلى الإيمان ذلك لأن عقل الإنسان قد يقف عندما يصادفه من أسباب ثانوية مبعثرة هنا ينكر فلا يتابع السير إلى ما وراءها ولكنه إذا أمعن النظر شهد سلسة الأسباب كيف تتصل حلقاتها لا يجد بداً من التسليم بالله سبحانه وتعالى .
هذه شهادة أولئك الذين رسخوا في علم الكون - الطبيعة والفيزياء - وأنا لا أريد أن أستطرد في أقوالهم ، أنا لا استشهد بأقوال أهل العلم من علماء الطبيعة ، والجيولوجيا ، والفلك ، والرياضيات على صحة وصدق قول الله وقول الرسول لا ، ولا أستشهد بالنظريات العلمية على صدق كلام رب البرية وكلام سيد البشرية ، إنما أثبت للناس ممن -وبكل أسف - يصدقون ما يأتي به الغرب أكثر من تصديقهم لكتاب الله ، بل أشد من تصديقهم لكلام الله ورسوله ، نعم هذا صنف موجود أنا لا أبالغ ، ولا أغالي ، ولا أجيش العواطف بكلام فارغ أجوف ورحم الله وتعالى القائل :
لله فى الأفاق أيات
ولعل ما فى النفس من آياته
الكون مشحون بأسرار إذا
قل للطبيب تخطفته يد الردى
قل للمريض نجا وعُوفي بعدما
قل الصحيح مات لا من علة
بل سائل الأعمى خطى وسط الزحام بلا
بل سائل البصير كان يحذر حفرة
وسل الجنين يعيش معزولاً بلا راع
وسل الوليد بكى وأجهش بالبكاء
وإذ ترى الثعبان ينفث سمه
وأسأله كيف تعيش يا ثعبان
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت
بل سائل اللبن المصفى من بين فرث
وإذا رأيت الحي يخرج من حنايا
وإذا رأيت النبت فى الصحراء يربو
ل عل أقلها هو ما إليه هداك ؟!
عجب عجاب لوترى عيناك
حاولت تفسيراً لها أعياك
يا شافى الأمراض من أرداك ؟!
عجزت فنون الطب من عفاك ؟!
من يا صحيح بالمنايا دهاك ؟!
اصطدام من يا أعمى يقود خطاك؟!
فهوى بها من ذا الذي أهواك ؟!
ومرعى من ذا الذي يرعاك ؟!
لدى الولادة ما الذي أبكاك ؟!
فسله من يا ثعبان بالسموم حشاك ؟!
أو تحيا وهذا السم يملأ فاك
شهداً وقل للشهد من حلاك ؟!
ودم من ذا الذي صفاك ؟!
ميت فاسأله من أحياك ؟!
وحدة فاسأله من أحياك ؟!
وإذا رأيت النخل مشقوق النوى
وإذا رأيت البدر يسرى ناشراً
وإذا ترى الجبل الشم مناطحاً قمم
وإذا رأيت النار شب لهيبها
فسأله من يا نخل شق نواك ؟!
أنواره فسأله من أسراك ؟!
السحاب فسله من أرساك ؟!
فسأل لهيب النار من أوراك ؟!
هذا جواب على سؤالنا الأول من أنا ؟
أخلص من هذه الكلمات الدقيقة المهمة إلى هذه الحقيقة الكبيرة ألا وهي أن الإيمان بالله تبارك وتعالى ليس غريزة فطرية فحسب ، ولكنه ضرورة عقلية أيضاً ، وبدون هذا الإيمان سيظل هذا السؤال يحتاج إلى جواب .
ذلكم السؤال الخالد فى قول الله تعالى : أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور: 35-36]
سيظل هذا السؤال مطروحاً يحتاج إلى جواب من هؤلاء المعاندين ، والجواب : لا، لا يقول عاقل أنه خُلق من غير شئ ، والسؤال الثانى : فهل خلقوا أنفسهم ، والجواب: لا ، ما زعم عاقل على وجه الأرض منذ أن خلق الله ومن عليها خلق نفسه أو خلق الأرض أو خلق السماوات ، فيبقى السؤال مطروحاً ويحتاج إلى جواب من كل عاقل منصف على وجه الأرض أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ % أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور: 35-36] .
فهم يقولون ببساطة شديدة فى مصير هذا الإنسان بعد رحلة هذه الحياة الدنيا يقولون : إنه الفناء والعدم المطلق أن تطويه الأرض في بطنها كما طوت ملايين الحيوانات الأخرى وأن تعيد هذا الجسد مرة أخرى إلى عناصره الأولى فيعود تراباً ثم تذروه الرياح ، وهكذا..!!
هذه هى قصة الحياة عند هؤلاء الماديين أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، ولا جزاء ولا حساب ، ولا نعيم ولا عذاب ..!! يستوي في ذلك عند هؤلاء من أحسن غاية الإحسان، ومن أساء غاية الإساءة ..!! يستوي في ذلك من عاش عمره للناس على حساب شهواته ، ومن عاش عمره لشهواته على حساب الناس ..!! يستوي في ذلك من ضحى بحياته فى سبيل الحق ومن ضحى بالحق فى سبيل حياته ..!! يستوي في فى ذلك من اعتدى على حياة الآخرين فى سبيل الباطل ، ومن عاش من أجل أن يرد ويدفع الباطل ..!! يستوي في ذلك من عبد الله وحده لا شريك له ، ومن عبد آلهة أخرى باطلة مدعاة ..!!يستوي في ذلك الموحدون والمشركون ..!! يستوي في ذلك الظالمون والمظلومون..!! يستوي في ذلك المعذبون والمقهورون والمعذبون..!!
هذا ظلم .. أما المؤمن الذي مَنَّ الله عليه بالإيمان وكرمه بالقرآن ، وبرسالة محمد e فإنه لا يتعلثم في الجواب طرفة عين ، يعرف المؤمن مصيره ، ويعرف المؤمن مسيره ، يعرف المؤمن أين يصير ، ويعرف المؤمن المصير ، فهو يؤمن بقول الملك القدير فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ شتان شتان ، ما بين مادي ملحد يسوي هذين الصنفين ممن ذكرت، وبين مؤمن يعرف أن لله - عز وجل - هو العدل وهو الحق ، فالمؤمنون يعلمون أنهم خلقوا لحياة الخلود ودار البقاء وهم في هذه الحياة الدنيا إنما يستصلحون وينقون ، ويهذبون ، ويعدون في هذه الدار إعداداً ليؤهلهم للعيش في دار البقاء ، ليطيبهم الله تبارك وتعالى ، ليكونوا أهلاً لدار طيبة يكونوا أهلاً لسلام الملائكة عليهم إذا دخلوا جنة ربهم جل وعلا وهم يقولون سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ .
إخوة الإسلام : إنه لعسير على العقل السوي أن يؤمن بخالق عليم عظيم حكيم أحسن هذا الكون خلقاً وصنعاً ، وقدر فيه كل شيء تقديراً بحكمة ، ثم يؤمن بعد كل ذلك أن سوق الحياة ستنفض بالموت وقد سرق من سرق ، ونهب من هب ، وكفر من كفر ، وظلم من ظلم وأساء من أساء واعتدى من اعتدى ، ثم لا يقف بعد ذلك هؤلاء جميعاً بين يدى الله تعالى ليقتص للمظلوم من الظالم ، وليثيب الموحد على توحيده ، والعابد على عبادته ، لا يصدق عقل سوي هذا أبداً ، وما أروع كلام الله – سبحانه وتعالى - أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون:115-116]
وما أروع قول الله تعالى أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [القيامة:36] . أى مهملاً لا سؤال ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب ، كلا .
قال تعالى : أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثـية:21]
ال تعالى : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص: 27-28]
وقال جل وعلا : وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ % إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ [الدخان:38 –40]
ومن أجمل وألطف ما قرأت فى سنن ابن ماجة عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله : ((حدثُوِنى بَأَعَاجِيبِ مَا رَأَيُتم بِأَرضِ الحَشَبةِ ؟)) قال فتية منهم : بلى يا رسول الله ! بينا نحن جلوس ، مرت بنا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم ، فجعل إحدى يديه بين كتفيها ، ثم دفعها ، فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها ، فلما ارتفعت التفت إليه فقالت : سوف تعلم ، يا غدر ! إن وضع الله الكرسى ، وجمع الأولين والآخرين ، وتكلمت الأيدى والأرجل بما كانوا يكسبون ، فسوف تعلم كيف أمرى وأمرك عنده غداً. قال : يقول رسول الله : (( صَدَقَتْ صَدَقَتْ ، كَيْفَ يُقَدٌسُ الله أُمّةً لاَ يُؤْخذُ لِضَعِيفِهِم مِن شَدِيدِهمْ)) ( حسن : رواه ابن ماجه رقم (4010) في الفتن ، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحسنه الألبانى فى مختصر العلو . )
انظروا إلى فطنة هذه المرأة ، وكيف أبرزت مشهداً من أعظم مشاهد يوم القيامة ، ألا وهو مشهد الحساب ، ومشهد الميزان ، ومشهد الحق ، نعم إنه مشهد حق ، فلا بد من قصاص :
أيها المظلوم صبراً لا تهن نم قرير العين وأهنأ خاطرا
إن عين الله يقظى لا تنام فعدل الله بين الأنام
أيها الظالمون ، فإنا متظلمون ، وإنا إلى الله شاكون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، فلا بد من وقفة يقف فيها الجميع بين يدي الله تبارك وتعالى ليجازي الله كل واحد بعمله فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ [الزلزلة: 7-8] .
قال سبحانه : وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً [الاسراء: 13-14]
فالمؤمن يعرف المسير ، ويعرف المصير ، يعرف أن المؤمنين إلى جنة عرضها السماوات والأرض ، وأن الكافرين إلى نار ، نسأل الله - عز وجل - أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنان ، و يحرمنا وإياكم على النار ، إنه ولي ذلك والقادر عليه .
والسؤال الثالث والأخير والمهم : بعدما عرف الإنسان خالقه ، وبعدما عرف الإنسان مسيره ، ومصيره يجب عليه أن يسأل نفسه هذا السؤال : لماذا خُلقت ؟ ما هي الغاية التي من أجلها خُلقت ؟
والجواب عند المؤمنين حاضر لا يحتاج إلى تفكير ، فكل صانع يعلم سر صنعته ، لماذا صنعها ؟ ولماذا صنعها على نحو معين ؟
فالمؤمن حينما يبحث عن هذا السؤال عند خالقه يرى الجواب واضحاً إن سئلت لماذا خُلقت ؟ سيأتى الجواب من خالقك الذي يعلم الغاية من خلقك ، بل الذي خلقك لغاية يعلمها ويريدها - سبحانه وتعالى - سيأتي الجواب واضحاً وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [ الذاريات: 56 - 58]
وتدبروا معي هذه الآية الجميلة التي قل من فكر فيها منا ، قال الله - سبحانه وتعالى - اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق:12] فهذه الآية جعلت معرفة الله - سبحانه تعالى - هى الغاية من خلق السماوات والأرض ، فالغاية هي أن تعرف الله ، أن تعرف أسماء جلاله ، أن تعرف صفات كماله ، أن تعرف قدره ، أن تعرف عظمته ، أن تعرف أنك ما خلقت إلا لتوحده ، أنك ما خلفت إلا لتعبده ، أنك ما خلقت إلا لتخشاه ، إلا لترجوه ، إلا لتتوكل عليه ، إلا لتخلص العبادة له وحده بلا منازع أو شريك ، وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] .
فالإنسان وبكل أسف يسأل عن الغاية التي من أجلها خُلق كل شيء في الكون ، مع أن كل شيء في الكون خُلق من أجلك أنت أيها الإنسان .
فأنت تسأل لماذا خُلقت السماوات ؟ لماذا خُلقت الأرض ؟ لماذا شق الله البحار ؟ لماذا تجري الأنهار ؟ لماذا خلق الله الأزهار ؟ لماذا كذا ؟ لماذا كذا ؟ في الوقت الذي لا يسأل الإنسان عن سبب خلق نفسه هو، وعن غاية خلقه ، لماذا خُلقت أنا ؟ إن سألت : الله عز وجل خلق الماء للأرض ، وخلق الله - عز وجل - الأرض للإنبات وللحياة ، خلق الله - عز وجل - النبات للحيوان وللإنسان ، وخلق الله - عز وجل - الحيوان للإنسان ، وخلق الله - عز وجل - الإنسان له وحده ، نعم أنت مخلوق لله وحده ، أنت مربوب لله وحده ، لا يجوز لك ألبتة أن تصرف العبادة لغير خالفك - سبحانه وتعالى - ، فالإنسان لله ، مخلوق لله ، ليفرد الله خالقه بالعبادة وحده لا منازع أو شريك ، هذه العبادة وحده، وهي الميثاق العظيم الذي أخذه الله على الخلق قال تعالى : أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ [يـس: 60-61]
وقال تعالى : وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ [لأعراف:172-173] ، فلا عجب أن تكون العبادة هي الصيحة الأولى لكل نبي ، وهي التوجيه الأول لكل رسول ، فما من نبى ولا رسول بُعث في قومه إلا ودعا قومه أول ما دعاهم إلى عبادة الله وحده يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ، دعوة آدم ، وهذه دعوة إبراهيم وموسى وعيسى وهذه دعوة محمد .
قال الله - عز وجل - وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36] .
قال الله - عز وجل - وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الانبياء:25]
قال الله - عز وجل إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ [الانبياء:92] ، فالعبادة أمر الله بها كل الخلق وأمر بها سيد الخلق قال الله تعالى : وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99] ، واليقين هنا هو الموت .
فالتكليف بالعبادة لازم للنبى ، ولكل بشر على وجه الأرض حتى يلحق بربه تبارك وتعالى ، بل وبين الله - عز وجل - أن المسيح عيسى ابن مريم الذى عبده النصارى وجعلوه إله من دون الله ، بين عبوديته له - سبحانه وتعالى - فقال جلا وعلا : لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً [النساء:172] ، وعبادة الله هي الغاية التي من أجلها خلق الله الخلق .
المصدر: خطب الشيخ محمد حسان.