لغة الشعر عند بدر شاكر السياب ، وصلتها بلغة المصادر العربية القديمة
د : فاروق مواسي
المــقــــدمـــــــــــــــة
في هذه الدراسة محاولة لاستقراء أسلوب بدر شاكر السياب ( 1926 – 1964 ) ولغته، باعتباره رائدًا من رواد الشعر الحر، ترك أثره في التجديد الشكلي والمضموني وتناولته الدراسات الأدبية الكثيرة.
ونحن هنا إذ نتمم الجانب اللغوي ندرك أن مثل هذه الدراسة فيها جدة –طريقة ومنهجًا- فمن رواد البحث اللغوي للأدب العربي عامة ، والشعر العراقي خاصة كان د. إبراهيم السامرائي في كتابه "لغة الشعر بين جيلين"، فقد وقف فيه على ظواهر لغوية في شعر عدة شعراء، رغم أن دراسته لم تكن بمنهجية وتنظيم ، بل يشوبها الكثير من الأحكام التقريرية، فهو إذ يعالج مشاكل اللغة لا يتورع من استعمال كلمة "أخطأ"(1) .
ونحن هنا لا نحكم بالخطأ ، ولو خرج الشاعر عن المألوف، بل نضع في اعتبارنا ما قاله روبنشتاين:
" الجملة الصحيحة في لغة ما هي الجملة القائمة فعلاً ، وليست الجملة التي من المنطق أن تكون، وإلا فإننا لا نتجاهل الحاجات العلمية الموضوعية فحسب، وإنما نتجاهل طبيعة اللغة المتطورة " (2).
إذًا فسبيلنا في هذه الدراسة أن نستقصي الظواهر البارزة في استعمالاته اللغوية - كما هي - مفترضين أن الشاعر يكرر ظواهر معينة هي بمجموعها تكوّن أسلوبه، وأنه يحاول المزج بين العناصر القديمة والجديدة.
أما العناصر القديمة عند السياب فتتمثل بتأثره من القرآن والشعر واستعماله اللفظة المعجمية الغربية، ذلك لأني- قارئًا للشعر- ألمس استفادته من القرآن والشعر القديم - بشكل لا يضاهيه شاعر قديم أو محدث، وهذا القول لا يعني تجاهل بعض الشعراء ممن ضمّنوا أشعارهم بمثل هذه العناصر ، كالبياتي مثلا ( 3)
وليس من شأننا عند تناول الأصداء القديمة أن نعالج مثلاً أي الشعراء تأثر بهم السياب، أو كيف تطور الأسلوب عنده من ديوان إلى آخر، ذلك لأننا سنبحث عن كل صدى قديم في مجموع شعره، وسنحاول تصنيف هذه الإفادات: هل بقيت على حالها؟ هل تطورت؟ فإن وجدنا ظاهرة معينة في ديوان معين أشرنا إليها، وأن رأينا شاعرًا قديمًا معينًا له تأثير أبرز من سواه فإننا لا نؤكد أن السياب متأثر به، فربما يعود الأمر إلى أن كاتب هذه الدراسة يحفظ لهذا الشاعر القديم أكثر من سواه؛ وليست عملية جمع الأصداء ميسورة وهي عند كل باحث تختلف عما هي عليه عند الآخر.
وأما العناصر الجديدة فهي الظواهر غير المألوفة على اللغة القديمة، ولكن الكثير منها مألوف في لغة الأدب الحديث. وليس في وسعنا أن نؤكد ميزة لغوية خاصة بالشاعر مقصورة عليه، بل نرى الظواهر البارزة والمتكررة كالجمل الإنشائية والاعتراضية وجمل التشبيه - مثلا - وفي ظواهر أخرى سنهتدي إليها، ونرى فيها جميعًا صورة واحدة هي صورة لغة السياب، فإذا ما استقصينا الجمل الإنشائية ودللنا على بروزها عند السياب فهذا لا يعني:
أ- أن الجمل الخبرية أقل.
ب- أن غيره من الشعراء لا يستعملها، فالجمل الإنشائية من طبيعة الشعر، وإنما بتراكم هذه الجمل وتكرار أدوات الاستفهام والتمني والنداء وغيرها نؤكد أن هذه سمة من سمات شعره، وليس من سبيل أن يملك المرء الحكم والتقرير إلا إذا ملك اطلاعًا كافيًا على قديم الشعر وحديثه.
نعود إلى القول أننا نفترض أن الشاعر يكرر ظواهر معينة في شعره، وهو يمزج بين العناصر القديمة والحديثة.
من خلال هذا المنطلق نعمد إلى تصنيف الظواهر اللغوية في مجموعة السياب الكاملة "ديوان بدر شاكر السياب" ج 1 ، فإذا اقتبسنا منه نشير إلى رقم الصفحة مجردًا، كما نضيف إليها ديوان "البواكير" لاحتوائه على قصائد ليست في المجموعة الكاملة، فإذا اقتبسنا منه نشير في الحاشية "البواكير" مضافـًا إلى رقم الصفحة فيه.
ودراسة لغة الشعر عند السياب بالإضافة إلى أنها استمرار وتطوير لفكرة السامرائي فهي تطمح أن تغطي النقص الذي أشار إليه د. إحسان عباس في نهاية كتابه " بدر شاكر السيّاب " في وجوب بحث الأساليب اللغوية عند السياب، وهو ما أشار إليه د. لويس عوض في مقاله "شناشيل معبد الأقتان"(4) في ضرورة بحث الظواهر اللغوية عند السياب، وما أشار إليه اللغوي إبراهيم أنيس في ضرورة بحث اللغة في الشعر العربي عامة (5).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) - انظر مثلاً: "لغة الشعر بين جيلين" ص80.
(2) - رروبنشتاين إليعيزر : التركيب الفعلي ( بالعبرية ) ، ص 114 .
(3) - من خلال قراءة دقيقة لديواني البياتي "الكتابة على الطين" و "عشرون قصيدة من برلين" لم ألاحظ الأثر القديم إلا لمامًا ، مع أن النقاد يذكرونه أنه بارز في هذا الباب منهم مثلا: موريه : الشرق الجديد ( بالعبرية ) ، عدد 1-2 / 1968 ، ص 19
(4) - صحيفة "الأهرام": 32 ابريل 1965.
(5) - أنيس إبراهيم: "من أسرار اللغة" ص322.
* قدمت هذه الدراسة سنة 1975 تتميمًا لشهادة الماجستير في الأدب العربي من جامعة بار إيلان.