مشكلة تجنيس "قصيدة النثر" ومسؤولية النقد
أ.د.حبيب مونسي.
كلية الآداب والعلوم الإنسانية.
جامعة سيدي بلعباس.22000. الجزائر.
إن الحركة الفكرية التي لا تتوقف في مسيرتها التطورية "لحظات"، أو تخلف وراءها بعضا من أبنائها يتعقبها، ليراقب إنجازاتها، والتعرف على الخلل الذي يحيد بها عن أهدافها ومراميها، حركة تتجه إلى الأمام على غير هدى، تركم إنجازاتها على بعضها بعض، دون أن تستفيد منها في تقويم جديدها على أقل تقدير. فالحركة الدائبة نحو الأمام، حركة عمياء وإن أبصرت حاضرها، فإنها لا تملك من أمسها ما يفسر لها قيمة الحاضر المنجز، وما يكشف لها غاية الغد الموعود. ومن الضروري جدا لكل حركة أن توقف عجلة التقدم "لحظات" للمراجعة والتقويم. فهي المحطات التي تتشكل فيها المعايير والمقاييس التي تقيس بها الظاهرة الإبداعية التي تسمها واللون الذي تتشح به، خاصة إن كان المتوقفون من جيل الرواد الذين حملوا هم الظاهرة جنينا جديدا، ورسموا له حدوده الفنية والجمالية، وتصوروه على الهيئة التي تناسب الأذواق إبداعا وتلقيا. وهم اليوم يشهدون ركاما من إفرازات الظاهرة لا يلبي شيئا مما استهدفوا من قبل، بل ينحرف بالظاهرة الإبداعية إلى تجريب من شأنه أن يسفه أحلام الرواد أولا، وينتهي بها إلى التفسخ والتلاشي، أو-في أثر رجعي- إلى قتل الشعر وتقبله على وجه العموم.
إن مسؤولية النقد والنقاد كبيرة في هذا الباب. مادام تحاشيهم للنقد الصادق العارف، ولجوئهم إلى المهادنة والمسالة قد ترك التيار يزداد قوة وطغيانا، يجرف في طريقه المحاولات الجادة التي ربما أثمرت جنسا جديدا ينضاف إلى ذخائر الأدب العربي. فالكثرة لم تكن أبدا عنوان للصحة والصلاح، بل قد تكون الكثرة في أحايين كثيرة أشبه شيء بالتضخم المرضي الذي يضاعف من حجم العضو المصاب. بل إن الريبة التي نجنيها من الكثرة خير إنذار ينبهنا إلى الاستسهال الذي تعامل به الظاهرة. قد نجد في تصريح جبرا إبراهيم جبرا في "الحوادث اللبنانية.الحلقة11 من ملف الشعر العربي .العدد1340.9/7/1982." صوتا يحتج ، حين رأى أن الجيل اللاحق قد وجد أن المسألة سهلة، وأن النقاد قد انشغلوا كثيرا حتى:« صار بالإمكان قول مثل هذه القصائد الحديثة .لكن يخيل إلي أحيانا أننا أخطأنا بذلك التحضير. إنني متخوف من أنني أنا وجيلي مهدنا لهذا النوع من الشعر.». وعندما نقرأ مثل هذا الاعتراف نكتشف جملة من الحقائق:
1- كل واحد في مقدوره أن يكتب كلاما يسميه قصيدة، مهما كان اقتداره المعرفي والفني والإبداعي. المهم أن يخطر بباله أنه قادر على ذلك. إن الذي يسوغ له ذلك هو غياب النقد الذي يتعقب الأعمال والنصوص. والذي يصدر أحكامه في صدق وصراحة وعلمية إن لم نقل موضوعية.
2- انشغال النقاد بالتنظير التابع للآخر، الذي أضحى من شارات العلم عند كثير من مثقفينا، يتفننون في عرض أفكار الغير دون الالتفات إلى ميادين التجريب التي تعج بالمحاولات التي تكررت عند البعض دون أن تجد أدنى معارضة، فسكنها ما يشبه الزهو بإنجازاتها، وترتب على ذلك وهم الصحة والسلامة، الذي قاد إلى لون من الهيمنة، فرض أسماء على الشعر دون أن يكون لها حظ من الشاعرية والعلم. فكل من أتاحت له الظروف، وساعده الحظ في نشر ديوان أضحى معدودا على الشعر، ومن ثم راح يطالب بحقه في تركة الشعر، يقول فيه بما يشاء ويتوهم. إن غياب النقد –حتى في أسوء صوره -أحدث الفراغ الذي ترفضه الطبيعة، والتي تسعى دوما إلى سده بما يقع في يدها من أشياء. إن الذي حدث من هذا القبيل. وسواء أنكرنا قصيدة النثر وجودا، أو قبلنا بها فنا، فإن الأمر لا يغير من الواقع شيئا. لأن الظاهرة قد أخذت حدا من الانتشار يجعل سؤالنا الساعة يلتفت إلى النقد يتهمه بالسكوت والتواطؤ. يتهمه بالمنافقة والمهادنة، بل بالخيانة أحيانا.
إن اعتراف جبرا إبراهيم جبرا وإن جاء مبكرا نسبيا لم يجد صدى لدى النقاد، ولم ينبري أحد منهم لتقويم الاعوجاج، ولو قدم أحدهم رجلا لأخَّر أخرى، لعمله أن أقلاما ستقوم في وجهه تتهمه بالرجعية والجمود وسوء الفهم والتخلف.. إن خشية النقاد من هذه التهم التي ستفسد عليهم مستقبلهم بين الشباب، هو الذي جعل الصمت خير سبيل لبلوغ ذروة الاعتراف. وجبرا يقول: أنه يخيل إليه، وكأنه لم يتيقن بعد! بل إن الأمر كما رأى وظن، وأن الاستسهال كان مطية الكثير من الشباب، وكان مدعاة لكثير من الركاكة والهذيان والمسخ.
3- من واجب الرواد التحضير للظاهرة. ولا يكون التحضير للظاهرة بتقديم جملة من النصوص التجريبية بين الفينة والفينة. ولكن التحضير الحق في إيجاد الأطر التي تتحرك فيها الظاهرة سيرا إلى أهدافها ومراميها. وتأسيس المعايير التي تتسع للتجريب دون أن تفتح المجال أمام كل الاختراقات الممكنة. وكلما كانت الحدود قوية التأسيس، كان التجريب قويا جادا يمكِّن الظاهرة من اكتساب القاعدة التي تقف عليها لتشييد معمارها الذي تطل به على المستقبل. لم يكلف الرواد الذين خبروا الظاهرة أنفسهم وضع القوانين المؤطرة، ولا استكتاب المعايير التي تزن الإنتاج وتقومه. بل تركوا المجال مفتوحا أمام كل محاول، حتى استطالت الهمم للتجاوز من أجل التجاوز.
قد يكون مثل هذا الحديث شديد الوقع، يوهم بالنقد المتسلط الذي يسعى إلى الحد من حريات الإبداع والتجديد. نعم فليكن كذلك لأننا أمام مسألة أصابها من التضخم المرضي ما يجعلنا في موقف الجراح الذي يختار البتر العاجل حتى يسلم الجسد من التسمم كلية. إن حاجتنا اليوم إلى المعايير النقدية النابعة من خصوصيتنا العربية، ما يجعلنا نسلم بكثير من المقولات التي حسبناها في يوم من الأيام مقيدة للحريات. بيد أننا الساعة نجد فيها من الحدب والخوف ما يجنبنا الوقوع في الزلل والخطأ. لقد أضحى الركام يعطي نزرا قليلا من النصوص الجيدة.. بيد أن أصواتها الجميلة تغيب في ضوضاء الرداءة والضحالة. لقد كان حريا بالنقد أن يرفعها إلى الأعلى حتى يسمعها الناس، فيتخذون منها معايير يقيسون بها الجيد والرديء. غير أن النقد أخذ يتذرع في العشرينية الأخيرة من القرن الماضي وعشرية هذا القرن بالمناهج الوافدة التي يعجز عن إبداء رأي سليم في جودة هذا النص أو رداءته. إنها مناهج في غاية التقنية والعلمية، ولكنها تعجز دوما عن تجد ميزانا للمفاضلة بين نص وآخر. وكأنها لا تملك حاسة المفاضلة والحكم، فتستوي النصوص تحت عدستها على صعيد واحد. إنها تصلح لجميع النصوص صحيحها وسقيمها، جيدها و رديئها. وربما كانت العودة اليوم إلى المناهج السياقية عند الغرب مؤشرا آخر يتوجب علينا اهتباله قبل استفحال أمر الظاهرة عندنا.
4- المسؤولية: هذا أعمق ما في شهادة جبرا. فكل من ابتدع بدعة فهو مسؤول عنها يتحمل تبعاتها وتبعات من عمل بها. هكذا يقول الشرع! فلماذا لا يكون الأمر كذلك في الفن والإبداع؟ لو شعر الرواد بهذه التبعية لأقاموا لفنهم سياجا من الحدود والمقاييس يحوطون بها فنهم حتى لا يدخله عليهم متطفل يفسد عليهم الجد الذي ركبوه، والهدف الذي استهدفوه، والمرمى الذي راموه. لو فعلوا لما اتهمهم أحد، بل لوجد فيه المجربون حجة عليهم قبل يكون حجة لهم. ولكن الرواد لم يكونوا مبدعين فيما جاءوا به، بل كانوا مجرد مقلدين نقلة، استخدموا لكسر عمودية القصيدة العربية، ولذلك سكتوا. لأن الآخر لا يزال يملي الشروط، ويقترح الحدود. ولما لم يفعل، أحجموا هم عن ذلك. إنها المسؤولية التي شعر بها عمر فروخ فأخرج للناس كتابه "هذا الشعر الحديث" بيد أن الكتاب لم يلق من الانتشار والمتابعة ما يعطي لصيحات التحذير والإنذار صداها القوي في الأجيال التالية التي قصدها جبرا.
هناك شهادة أخرى نعرضها سريعا للشاعر شوقي أبو شقرا "النهار 18/06/1978" حين يقول:« إن قصيدة النثر الآن، بدل أن تكون عنصر تحرر وانطلاق وركض إلى الأمام، ومرتقى جودة، إذا بها تصبح سجنا وحائطا وفخا كبيرا وحبالا تشد الأفكار وتربطها وتعطلها وتفسدها. كنا نشكو من الوزن أنه أسار وسلسلة حديد، فإذا هو يعود قالبا للمواهب.. ما السبب في هذا المرض؟ في هذه الجرثومة؟ لا أدري الآن كيف أفسرها؟ ولكنني أضع الحق على بعضنا..وعلى أننا من حيث التوجيه كنا مقصرين.» فإذا نظرنا إلى النعوت التي استعملها الشاعر: سجن، حائط، فخ، حبل، أسار، سلسلة، تشد، تعطل، تربط.. مرض جرثومة.. أدركنا ثقل المسؤولية التي تخلى عنها النقد، قبل أن يتخلى عنها الرواد من حيث التوجيه.
لابد إذن من إيقاف القطار المجنون وتفتيشه، وإصدار أحكام صارمة رادعة تهذب الاندفاع، وترد الحق إلى نصابه. وليس في ذلك من عيب ولا تطرف. بل العيب كله في التمادي وتسمية المرض بالصحة والسلامة.
5- "قصيدة النثر" ليست شعرا، ولن تكون شعرا أبدا بالمفهوم الأصيل للشعر العربي. فالشعر العربي كيان ضخم قائم إلى أن تدع الإبل حنينها. فإذا خفت صوته في هذه الفترة فسوف يعود قويا مدويا في فترة أخرى. إنه شعر تغذيه الخطابية والبطولة والغنائية. وإذا حدث وإن عادت دواعيه عاد بقوة إلى الصدارة. أما قصيدة النثر فشيء آخر غير الشعر.. إنها جنس جديد لا بد من إيجاد مكانة له بين الأجناس الأدبية الأخرى. ولكنه إن أراد ذلك فعلا، كان عليه أن يتأسس على القواعد والحدود والمعايير، وأن يستخلص من نماذجه المشرقة معاييره التي تضمن له الاستقامة، وتفتح أمامه مجال الإضافة والزيادة. إن الفن الجاد هو الفن الذي يستخلص من أمثلته القوانين التي تقوِّم تجاربه. ولا حرج عليه إن استعان بما في الأجناس الأخرى على سبيل المقايسة والاقتباس.
فإذا أرادت قصيدة النثر أن تنعم بالاستقلالية الذيوع، توجب عليها أولا أن تقوم جنسا منفصلا عن الشعر، ولا تقدم نفسها بديلا له، كما فعل شعر التفعيلة الذي حاول مصارعة جبل شامخ فانتحر. إنه الغرور الذي قتله.. لا شيء يقف في وجه الشعر العمودي، ثم يزعم أنه البديل. هذا يذكرني بالعنوان الفرعي الذي وضعه ناقد عربي لكتاب له: "نحو بديل جذري لعروض الخليل" وكأن المسألة تقف عند العروض وحده، ولم يسمع أحد بالبديل ولم يجربه.. إن قيام "قصيدة النثر" جنسا أدبيا منفردا لا يحمل غرور البديل، هو الضمان الوحيد الذي يمكنها من الحياة الجادة المثمرة. بيد أن ذلك يحتم عليها أن تجد لنفسها نعتا يبعد عنها اصطلاح القصيدة الذي ارتبط بالشعر العربي. وفي العربية من السعة ما يضمن لها الاسم الذي يخلدها "كتابة فنية راقية تتسم بالاقتصاد والتكثيف والإيقاع ". قال شوقي أبو شقرا في رأس الشهادة التي ذكرناها أن قصيدة النثر:« خرجت الآن عن القصيدة وبقي لها النثر.» ولها في خضم النثر أن تجد لنفسها نعتا، مثلما هو الأمر بالنسبة للقصة والرواية والمسرح…
6- يرى صلاح فضل أن النقد :« كلما أمعن في تحليل العوامل الفاعلة في تكوين الأساليب المختلفة، اقترب من كشف آليات توليدها، وشرح كيفية توظيفها التقني. وعندئذ يجد نفسه وقد أحل أحكام الواقع محل أحكام القيمة المسبقة، وأصبح بوسعه تمثل أساليب الشعرية إنتاجا متعدد المستويات والدرجات والطوابع، وتلقيا متعدد القراءة والتأويل.» "أساليب الشعرية المعاصرة" فإذا اعتقدنا أن الشعرية أو الأدبية هي الخاصية التي تجعل من النص نصا أدبيا، فإن "النثيرة" – وهذا ما أختاره لها من اسم ونعت – تمتلك من الأساليب ما يجعلها في قمة الآثار التي تمتلك شعرية خاصة، تلتقي فيها روافد الشعر القديم والنثر الحديث. تستفيد من هذا وذاك ، بل وتنفتح على تلاقح خصب يفتح أمامها روافد الفنون جميعها. إنها في قدرتها على التكثيف والاقتصاد من أخطر الفنون وأصعبها مراسا وأشدها قلقا. وشعريتها ينبغي لها أن تكون أرقى أنواع الشعريات. لذلك أعدها من أصعب الفنون عريكة، لأنها إن استسهلت أوقعت صاحبها في التكرار والاجترار، وفوتت عليه فرصة الإبداع الحق. إن يوسف الخال يقول:« من الإنصاف القول بأن الهجوم على قصيدة النثر وما إلى ذلك من الأساليب الشعرية الخارجة عن الموروث، له ما يبرره في كثرة الكتابة وسخف معظمها..صحيح كان في الشعر المنظوم التقليدي سخافة وتفاهة، ولكن ليس بهذا المقدار. كان الوزن التقليدي ضابطا، لا بالمعنى الكمي ولكن بالمعنى النوعي.» "النهار.18/06/1978". ولا يمكننا الحديث عن شعرية للنثيرة إلا من خلال سبر النصوص واستخلاص الخصائص والمميزات من واقعها الخاص. عندها فقط سيكون لها شعريتها الخاصة، مثلما هو الشأن في الأجناس الأخرى. لابد من وقفة.. لابد من إيقاف جريان الزمن في الظاهرة حينا من الدهر لإعادة ترتيب مكتبتها، وتهذيب أوراقها.
7- الإيقاع شيء فطري في كل حركة. والكتابة حركة لها إيقاعها الخاص الذي يترك توتراته على وجه النص قبل أن يتركها في عمقه. وللنثيرة أن تأخذ بالشكلين معا دون أن تظل حبيسة الإيقاع التقليدي الذي يقوم عليه الشعر العربي. إن إيقاعها نابع من توترات كتابتها، تلك التوترات تظهر في التكرار الذي يسجل على مستوى الأصوات "الحروف" و "الكلمات" و"العبارات" و"النص برمته" إنه أشبه بالخدوش التي يتركها الاستعمال المتكرر على وجه القرص، تمتلك دلالة مزدوجة: دلالة على الإيقاع، ودلالة على التوتر. لأن النثيرة نص توتر قبل كل شيء. والمقصود بنص التوتر، هو نص الفورة التي تقوم على الدفق القوي الذي ينتاب المبدع لحظة، ثم يستفرغ في شكل يقترب من الخامة. ولا يعني ذلك أبدا أنها خالية من التصميم والهندسة، بل إن حرارة الدفق بينة في التصميم والهندسة معا. وكأن الدفق هو المتحكم الأول في إنشاء النثيرة . على هذا النحو سيكون للنثيرة جنسها المتفرد، وقوانينها الخاصة، وصعوبتها الإبداعية التي يمتلكها كل فن جاد.
8- كتب هؤلاء في هذا الشكل لأنه الأنسب لتوتراتهم الداخلية، فاتسعت النثيرة للتصوف، والكهانة والتفلسف. وهذه السعة لا تعني أنها لا تمتلك قوانينها الخاصة. إنها موجودة فيها بالقوة لا بالفعل. وعلى المشتغلين بها أن يتدارسوها لاستخراجها منها. وأول قوانينها "الحرية" بيد أنها الحرية المشروطة بالاقتدار المبدع الذي لا يركب رأسه لمجرد أن الحرية تبيح له أن يقول أي شيء. بل الحرية هنا، هي حرية التوتر الذي يسكن الذات ممزوجا بالفكرة التي تتأهب للكشف عن ذاتها. ولذلك تتسع النثيرة لهؤلاء وهؤلاء. أما ما يرومه البعض من اصطياد بعض القوانين من الأجناس المتاخمة، لها فأمر مردود لأنه سيجعل منها فنا لقيطا مركبا من غيره، ونحن نسعى لجعلها جنسا مستقلا كامل الاستقلال. إن واقعها الخاص هو معدنها الذي تنحت منه قوانينها إن أرادت أن تنعم بالوجود والماهية المستقلة.
9- نسميها "نثيرة" ليس تصغيرا لها، ولا دلالة على الحجم المراد لها. بل دلعا، لأنها لعوب، متقلبة، متلونة، خفيفة ثقيلة، سهلة صعبة، قديمة جديدة. إنها جنس لا مقلد، ولا وافد.. إنها في جميع اللغات، وفي جميع الأجناس. فإن زعم بعض النقاد أننا نقلناها عن الغرب فذلك وهم، بل لفت انتباهنا إليها اهتمامهم بها في لغتهم. ولما عدنا إلى لغتنا وجدناها في كل كلام وكتابة منذ القدم. أنها منا ونحن منها. بقي علينا أن نوجد قوانينها بالفعل من صلبها حتى نسجل شهادة ميلادها في أثر رجعي يمتد إلى أعماق التاريخ.