لقد انتشرت في هذا الزمان ظاهرة ما عرفها سلفنا الصالح ..... ظاهرة هي أقرب إلى قلة الأدب منها إلى النقد حتى بتنا نسمع سب العلماء أصبح عبادة يتقرب بها البعض إلى الله فصرنا نسمع أن العالم الفلاني خبيث والعالم الفلاني ضال والعالم الفلاني فاسق والداعية الفلاني خنيث وحتى لهم في ذلك حجج وأدلة يقولون أنها من سلفنا الصالح ..... طبعا كل هذا نتيجة واضحة لابتعاد الكثير عن وسطية الاسلام .... وإطنابهم في الغلو والتطرف حتى صارت كل فرقة تحتكر الاسلام والمنهج الصحيح وتكفر تارة وتضلل تارة أخرى وتفسق وتبدع أحيانا ..... واحتكرت أبواب الجنة وباتت مظاهر شكلية في الاسلام مفاتيح لأبوابها....
وفي خضم هذا نقلت عن موقع الجزيرة في حوار مع الأستاذ الدكتور عصام البشير مداخلة من برنامج الشريعة والحياة هذا مقطع حول ظاهرة اختلاف السلف الصالح وأدب المعاملة بينهم :
**********************************************
عثمان عثمان: عبر الوسطية الساطعة. فضيلة الدكتور يعني ربما نتحدث أيضا بشكل أو بآخر عن موضوع حالة التشظي التي تعاني منها ساحة العمل الإسلامي اليوم، حالة الاختلاف التي تولد الكثير من التناقضات والآراء المتناقضة التي تنعكس سلبا على ساحة العمل الإسلامي، كيف عالج السلف الصالح هذا الأمر؟
عصام البشير: يعني ظاهرة الاختلاف السلف اختلفوا وتحاوروا وتناظروا ولكن كان هناك التراحم فيما بينهم، رأينا إماما مثل الإمام الشافعي أخذ عن الإمام مالك وخالفه وألف كتابا سماه "اختلاف مالك والشافعي" ومع ذلك كان يقول "إذا ذكر العلماء فمالك النجم" "مالك حجة الله على خلقه" "ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مالك" "لولا مالك وابن عيينة لذهب العلم من الحجاز"، جاء الإمام أحمد أخذ العلم عن الشافعي وخالفه في مسائل ومع ذلك قال الإمام أحمد "والله ما بت ليلة ثلاثين سنة إلا ودعوت فيها للشافعي" قال ابنه "لقد سمعتك تكثر الدعاء له، من هذا الشافعي يا أبت؟" قال "يا بني كان الشافعي كالشمس للدنيا وكالعافية للناس، فانظر هل لهذين من خلف أو منهما عوض؟
ومن يكن علم الشافعي إمامه
فمرتعه في باحة العلم واسع
وبالمقابل غادر الشافعي بغداد ومع مخالفة أحمد له في مسائل قال "لقد تركت بغداد وما خلفت فيها أورع ولا أعلم ولا أهدى من أحمد بن حنبل" ثم قال
قالوا يزورك أحمد وتزوره
قلت المكارم لا تفارق منزله
إن زارني فبفضله أو زرته فلفضله
فالفضل في الحالين له
وقال الإمام أحمد "لم يعبر الجسر مثل إسحق بن راهويه وإن كان يخالفنا في أشياء فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضا" وقال الشافعي لأحدهم "يا فلان ألا يستقيم أن نكون إخوانا وإن لم نتفق على مسألة؟" كان بين السلف الصالح التراحم ولكن للأسف أصبحت اليوم القسوة والغلظة والجفاء والشدة على المخالف بل تبديعه وتفسيقه وتضليله وتجهيله، أشياء مجرد خلاف في الرأي، "السيف المشهور على أهل التبرج والسفور" حينما تقرأ كلمة التبرج والسفور يتبادر إلى ذهنك التبرج وحينما تقرأ الكتاب تجد أن الكتاب يتوجه إلى تضعيف الرأي الذي يقول بأن الوجه والكفين ليسا من العورة، هذا الرأي الذي يقول به الجمهور تحول إلى أن يشرع في وجهه سيف وسيف بتار وسيف مشهور! هل مجرد القضية الفرعية تستأهل أن نشرع فيها كل أنواع الأسلحة الفتاكة بما يذهب رحم الأخوة ورحم العلم ورحم الإيمان؟ هذا الذي خالفنا به منهج سلفنا الصالح الذين اختلفوا ورحم بعضهم بعضا، وأختم برجل وقف مع عبد الله بن المبارك لأن عبد الله خالف أبا حنيفة في مسألة فوجد فرصة يريد أن ينتقص منها من قدر أبي حنيفة فقال له ابن المبارك
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه أشفق
على الرأس لا تشفق على الجبل
فمنهج السلف الصالح كان هو التراحم وما أحوجنا أن نحيي هذا الرحم، رحم العلم بين أهله.
*********************************************
هؤلاء هم سلفنا الصالح فأين نحن منهم ؟؟؟؟