الاسلوبية هي منهج نقدي لساني تقوم على دراسة النص الادبي دراسة لغوية , لاستخلاص اهم العناصر المكونة لادبية الأدب إذ تجعل منطلقها الاساس النص الادبي اي أن الاسلوبية تنطلق من النص لتصب في النص أو كما يقال : قراءة النص بالنص ذاته وتنقسم
الاسلوبية الى أنواع تبعاً للمدارس النقدية منها الاسلوبية التعبيرية والاسلوبية الادبية والاسلوبية الاجتماعية النفسية والاسلوبية البنائية وغيرها من الاسلوبيات النظرية , أما أبرز رواد الاسلوبية الادبية عربيا فهو الدكتور محمد الهادي الطرابلسي والدكتور محمد عبد المطلب والدكتور صلاح فضل
والدكتور شكري عياد والدكتور عبد السلام المسدي, ولعل أهم كتاب نظري تناول الأسلوبية بدقة هو كتاب الأسلوبية والأسلوب لعبد السلام المسدي وكتاب آخر أقل قيمة منه هو كتاب: علم الاسلوب مبادئه واجراءاته , لمؤلفه صلاح فضل , أما الكتاب الاول فقد تناول فيه عبد السلام المسدي تطور هذا المصطلح عند النقاد والاسلوبيين في الغرب أمثال تشومسكي ودي سوسير ورولان بارت ومايكل جاكبسون وقد قسم هذا الكتاب الى ستة فصول , ختمه بكشف كامل لأهم المصطلحات الاسلوبية في الغرب مثل: الانزياح والانحراف والمجاورة والتناظر والتضاد والتوازي والتماسك والتكثيف والازدواج وغيرها من المصطلحات
أما الكتاب الآخر فقد ركز فيه صلاح فضل على أهم المدارس الاسلوبية في الغرب وعلى أهم الاجراءات الواجب توفرها في أثناء دراسة النص الادبي دراسة اسلوبية إلا آن ما يؤخذ على هذا الكتاب غموض منهجه وصعوبة فهم مصطلحاته نتيجة غموض المناهج التي أخذ عنها.
أما أفضل دراس اسلوبية عربية جمعت الاتجاهات النظرية والنصوص التطبيقية كتاب خصائص الاسلوب في الشوقيات لمؤلفه محمد الهادي الطرابلسي منشورات الجامعة التونسية عام1981 حيث تناول فيه أشعار الشاعر الكبير أحمد شوقي تحليلا وتطبيقا فبدأ بالايقاع الذي تولده نصوصه الشعربة من قوافي وجناس وطباق وتقطيع ثم تناول فن المقابلة وخصائصها كالمقابلة السياقية والتركيبية واللغوية وخلص الى النتيجة التالية:
ان فن المقابلة في شعره من أهم المقومات الشعرية التي تغني نصوصه وقصائده على الصعيدين اللفظي والدلالي معا كما تناول دلالة الكلمات كالرمز والصورة الشعرية والتشبيه والتشخيص والتجريد وخلص الى أن الصور الشعرية عند شوقي متنوعة منها البسيطة ومنها المركزة ومنها العنقودية ومنها الشبكية وهكذا جاءت دراسته شاملة وافية لهذا الجانب الاسلوبي التطبيقي وبناء على هذا تم طبع هذا الكتاب طبعة ثانية في مصر عن المجلس الاعلى للثقافة في عام 1996 وهو ما يزال الى الآن رائد الدراسات الاسلوبية على الصعيد العربي
وفي هذا الصدد لابد أن نشير الى بعض الجهود الاسلوبية التي قام بها كل من الباحثين والنقاد التالية اسماؤهم:
شكري عياد والدكتور محمد حماسة عبد اللطيف وسعد مصلوح الا أنها كانت مجرد اجتهادات اسلوبية بعضها وظف البلاغة وخلط بين المنهج الاسلوبي والمنهج البلاغي مثل الدكتور محمد عبد المطلب في كتابه: المذهب البديعي في شعر الحداثة, وبعضها اعتمد على المنهج الاحصائي مثل الدكتور سعد مصلوح والذي أخذ يرصد تردد المفردات والاسماء والصفات عند بعض الشعراء, فأبعد الجوانب النفسيه والجمالية والدلالية التي تتعلق ببنية النص الداخلية فبقيت هذه الدراسات جافة بعيدة عن الجو الشعوري والنفسي للنص الادبي, وبعضها الآخر تناول النص الادبي من وجهة نظر نحوية بحته مثل الدكتور شكري عياد, حيث أخذ يرصد العلاقات والروابط النحوية -على نحو ما فعل «فاينريش« في نظريته: تجزئة النص, فبدأ يفرّع النص ويفككه تبعا لعلاقاته وروابطه النحوية وهذا ما تبدى لنا في كتابه : دائرة الابداع وكتابه الآخر: اللغة والابداع, فعلى الرغم من أهمية هاتين الدراستين الا أنه غلب عليهما الجانب النحوي على الجانب الاسلوبي والبلاغي معا.
أما دراساتنا الاسلوبية في سورية فقد جاءت سطحية بالمقارنة مع الدراسات الاسلوبية في مصر والمغرب العربي باستثناء دراسات الدكتور كمال أبو ديب الذي يعد بحق رائد الدراسات الاسلوبية في سورية وخاصة في كتابه: جدلية الخفاء والتجلي الذي يعد تحفه اسلوبية لما يمتاز به من جدة واجتهاد , إذ انطلق فيه من بنية النص الداخلية وبالتحديد من ثنائياته الضدية التي تؤدي الى التوتر والانزياح في بنية نصوصه الشعرية ونشير في هذا المقام الى دراسة الدكتور عبد الكريم حسن في كتابه:
الموضوعية البنيوية التي تعد دراسة جيدة في مستواها الفني غير أنه سار على منهج فاينريش بتقسيم النص تبعا لعلاقاته النحوية مما أدى الى نفور المتلقي من هذه الدراسة وانصرافه عنها.
ماهي أهم مشكلات دراستنا الاسلوبية في سورية والوطن العربي:
المشكلة الاولى: هي تنوع المدارس الأسلوبية ومناهجها والخلط فيما بينها جميعا دون تحديد دقيق لهذه الدراسات وتبني المنهج والأخلاص له , فأخذ صاحب المنهج اللساني يمتد الى صاحب المنهج النحوي أو البنيوي وهكذا ..
المشكلة الثانية : هي أن أغلب دراساتنا الأسلوبية تتبنى المنهج الاحصائي الذي يؤدي الى عمليات حسابية غالبا ما تكون بعيدة عن شعرية النص وفضائه النصي , فتفقد هذه الدراسات قيمتها لأنها تفتت النص دون أن تستخلص قيمته الفنية أو وظيفته الجمالية .
المشكلة الثالثة : هي افتقار هذه الدراسات إلى التطبيق الأسلوبي المنهجي الدقيق , وقلما نجد دراسة أسلوبية تامة في التوليف بين الجانب النظري والجانب التطبيقي في دراساتنا في سورية , وفي الوطن العربي.
المشكلة الرابعة : هي تركيز نقادنا على ظواهر أسلوبية معدة مسبقا عند الشعراء , من هذه الظواهر : التناص والتضاد والتوازي والازدواج والأسطورة وغيرها من الظواهر الأسلوبية الأخرى . حتى ولو لم تكن هذه الظواهر متوفرة فعلا عند هؤلاء الشعراء , مما يؤدي الى غربة هذه الدراسات وعدم مصداقيتها بالنسبة للمتلقي /القارئ والناقد/.
إن مثل هذه المشكلات لن نتغلّب عليها إلا بإخلاصنا لمناهجنا وسعينا الدؤوب إلى توظيف التراث بما يتواءم وواقع حياتنا وموروثنا الثقافي وواقع الحضارة وثورتها العلمية , حتى نرتقي نقديا وأسلوبيا على الصعيد العربي وربما العالمي على المدى الطويل .