السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أدب الحديث
نعمة البيان من أجلِّ النِّعَم التي أسبغها الله على الإنسان، وكَرمَّه بها على سائر الخلق:
(الرَّحْمنُ. عَلَّمَ الْقُرْآنَ. خَلَقَ الإِنسانَ . عَلَّمهُ الْبَيَانَ).
وعلى قدر جلال النعمة يعظم حقها، ويستوجب شكرها، ويستنكر كنودها.
وقد بَيَّنَ الإِسلام كيف يستفيد الناس من هذه النعمة المسداة، وكيف يجعلون كلامهم الذي يتردد سحابة النهار على ألسنتهم طريقاً إلى الخير المنشود، فإن أكثر الناس لا ينقطع لهم كلام ولا تهدأ لألسنتهم حركة. فإذا ذهبت تحصي ما قالوا، وجدت جله اللغو الضائع أو الهذر الضار ، وما لهذا ركَّب الله الألسنة في الأفواه، ولا بهذا تقدَّرالموهبة المستفادة:
(لاخَيْرَ في كَثيِر مِنْ نَجْوَاهُمْ إلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاحٍ بَنْنَ النَّاسِ، وَمَنْ يَفْعَلٌ ذَلِِكَ ابْتِغَاءِ مَرْضَاةِ الَّلهِ فسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماًً)
وقد عُني الإِسلام عناية كبيرة بموضوع الكلام، وأسلوب أدائه ، لأن الكلام الصادرَ عن إنسان ما ، يشير إلى حقيقة عقله وطبيعة خلقه. ولأن طرائق الحديث في جماعة ما ، تَحْكُمُ على مستواها العام ومدى تغلغل الفضيلة في بيئتها.
ينبغي أن يسائل المرء نفسه قبل أن يتحدث إلى الآخرين: هل هناك ما يستدعي الكلام؟ فإن وجد داعياً إليه تكلم، وإلا فالصمت أولى به وإعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له عبادة جزيلة الأجر.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (( والذي لا إله غيره ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان!!))
وقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (( خمس ، لهم أحسن من الدُهُم الموقفة: لا تتكلم فيما لا يعنيك ، فإنه فَضْل، ولا آمن عليك الوزر... ! ولا تتكلم فيما يعنيك حتى تجد له موضعاً ، فإن رب متكلم في امر يعنيه قد وضعه في غير موضعه، فعيب...!
ولا تمار حليماً ولا سفيهاً فإن الحليم يقليك ، وإن السفيه يؤذيك .... ! واذكر أخاك إذا تغيب عنك بما تحب أن يذكر به ، وأعفه مما تحب أن يعفيك منه.... ! واعمل عمل رجل يرى أنه مجازي بالإحسان ، مأخوذ بالإجرام))
المسلم لا يستطيع هذا إلا إذا ملك لسانه، وسيطر على زمامه بقوة، فكبحه حيث يجب الصمت، وضبطه حين يريد المقال.
أما الذي تقودهم ألسنتهم فإنما تقودهم إلى مصارعهم.
إن للثرثرة ضجيجاً يذهب معه الرشد. وأكثر الذين يتصدرون المجالس ويتحدر منهم الكلام متتابعاً ، يجزم مستمعهم بأنهم لا يستمدون حديثهم من وعي يقظٍ ، أو فكرٍ عميقٍ ، وربما ظن أن هناك انفصالاً بين العقل وهذا الكلام المسترسل!.
والمرء حين يريد أن يستجمع أفكاره ويراجع أعماله ينجح إلى الصمت، بل إنَّه حين يريد أن يبصر نفسه ويرتب ذهنه، يفر من البيئة الصاخبة إلى ريفٍ صامت، أو ضاحيةٍ هادئةٍ . فلا جرم أن الإسلام يوصي بالصمت، ويعده وسيلة ناجعة من وسائل التربية المهذبة.
فمن نصائح رسول الله لأبي ذرٍ: ((عليك بطول الصمت، فإنه مطردة للشيطان ، وعون لك على أمر دينك)) .
أجل إن اللسان السائب حبل مرخي في يد الشيطان يصرف صاحبه كيف شاء. فإذا لم يملك الإنسان أمره. كان فمه مدخلاً للنفايات التي تلوث قلبه وتضاعف فوقه حجب الغفلة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) . وأول مراحل هذه الإستقامة ، أن ينفض يديه مما لا شأن له به، وألا يقحم نفسه فيما لا يسأل عنه: ((من حسن إيمان المرء تركه مالا يعنيه))
والبعد عن اللغو من أركان الفلاح، ودلائل الاكتمال ، وقد ذكره القرآن الكريم بين فريضتين من فرائض الإسلام المحكمة، هما الصلاة والزكاة: ) قَدْ أَفْلَحَ اْلُمؤْمِنُوْنَ . الَّذيْنَ هُمْ في صَلاتِهمْ خَاشِعُوْنَ. وَالَّذيِنَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُوْنَ.وَالَّذيْنَ هُمْ للزَّكَاةِ فَاعِلُونَ(
لو أن العالم أجمع أحصى ما يشغل فراغه من لغو في القول والعمل ، لراعه أن يجد أكثر القصص المنشورة، والصحف المشهورة، والخطب والإذاعات لغواً مَّطرداً ، تعلق به الأعين، وتميل إليه الآذان ولا ترجع بطائل . وقد كره الإسلام اللغو، لأنه يكره التفاهات وسفاسف الأمور . ثم هو مضيعة للعمر، في غير ماخلق الإنسان له من جد وإنتاج .
وبقدر تنزه المسلم عن اللغو، تكون درجته عند الله .
عن أنس بن مالك قال: توفي رجل ، فقال رجل آخر – ورسول الله يسمع -: أبشر بالجنة . فقال رسول الله: (( أولا تدري ؟ فعله تكلم فيما لا يعنيه، أوبخل بما لا ينقصه)) .
واللاغي ، لضعف الصلة بين فكره ونطقه، يرسل الكلام على عواهنه. فربما قذف بكلمة سست بواره ودمرت مستقبله، وقد قيل : من كثر لغطه كثر غلطه . وقال الشاعر:
يموت الفتى من عثرةٍ بلسانه وليس يموت المرء من عثرة الرِّجلِ
وفي الحديث : إن العبد ليقول الكلمة، لا يقولها إلا ليضحك بها المجلس، يهوي بها أبعد ما بين السماء والأرض! وإن المرء ليزلُّ عن لسانه أشد مما يزلُّ عن قدميه!))
فإذا تكلم المرء فليقل خيراً وليعوِّد لسانه الجميل من القول، فإن التعبير الحسن عما يجول في نفسه أدبٌ عالٍ، أخذ الله به أهل الديانات جميعاً . وقد أصبح القرآن أن القول الحسن من حقيقة الميثاق الماخوذ على بني إسرائيل على عهد موسى .
(وَإِذ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَني إسْرَائيِلَ ل تعبدون إلاَ اللَّهَ وَبالْوَالِدَيْن إحْسَاناً وَذي الْقُرْبَى وَ الْيَتَامَى وَ اْلمَساكِين، وَقُولُوا للِنَّاس حُسْناً، وَأَقِيُمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) والكلام الطيب العف يجمل مع الأصدقاء والاعداء جميعاً ، وله ثماره الحلوة. فإمَّا مع الأصدقاء فهو يحفظ مودتهم، ويستديم صداقتهم ، ويمنع كيد الشيطان أن يوهي حبالهم ويفسد ذات بينهم:
( وَقُلْ لِعِبَادي يَقُولُوا الَّتي هِيَ أَحْسَنْ، إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ، إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوَّاً مُبِيناً )
إن الشيطان متربصٌ بالبشر، يريد أن يوقع بينهم العداوة والبغضاء ، وأن يجعل من النزاع التافه عراكاً دامياً ولن يسد الطريق أمامه كالقول الجميل. وأما حسن الكلام مع الأعداء فهو يطفئ خصومتهم، ويكسر حدَّتهم، أو هو على الأقل يوقف تطور الشر واستطارة شرره.
( وَلاَ تَسْتَوي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ، فإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَليِّ حَميمٌ )
وفي تعويد الناس لطف التعبير مهما اختلفت أحوالهم يقول رسول الله : (( إنكم لن تَسَعُوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخُلُق)). بل إنه يرى الحرمان مع الأدب أفضل من العطاء مع البذاءة.
( قَوْلٌ مَعْرُوفٌ ومَغَفرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أذى وَاللَّهُ غَنيٌّ حَلِيمٌ)
والكلام الطيب خصلة تسلك مع ضروب البر ومظاهر الفضل، التي ترشح صاحبها لرضوان الله ، وتكتب له النعيم المقيم.
روي عن أنس قال : قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم : علمني عملاً يدخلني الجنة ! قال: (( اطعم الطعام، وأفشِ السلام ، وصَلِّ بالليل والناس نيام، تدخل الجنة بسلام))
وقد أمر الله عزّ وجلّ بأن يكون حجاجنا من أصحاب الأديان الأخرى في هذا النطاق الهادئ الكريم، لا عنف فيه ولا نكر، إلا أن يجور علينا أمرؤ أثيم ، فيجب كبح جماحه، ومنع اعتدائه:
( وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إلا بالَّتي هِيَ أَحْسَنُ إلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنُهُم)
وعظماء الرجال يلتزمون في احوالهم جميعاً ألا تبدر منهم لفظة نابية، ويتحرجون مع صنوف الخلق، أن يكونوا سفهاء أو متطاولين.
روى مالك أنه بلغه عن يحيى بن سعيد : أن عيسى عليه السلام مر بخنزير على الطريق، فقال له : انفذ بسلام! فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ فقال : إن أخاف أن أعود لساني النطق بالسوء!.
ومن الناس من يعيش صفيق الوجه ، شرس الطبع، لا يحجزه عن المباذل يقين ، ولا تلزمه لمكارم مروءة، ولا يبالي أن يتعرض للآخرين بما يكرهون، فإذا وَجَدَ مجالاً يُشْبعِ فيه طبيعته النزقة الجهول، انطلق على وجهه لا ينتهي له صياح ولا تنحبس له شرّة. والرجل النبيل لا ينبغي أن يشتبك في حديث مع هؤلاء ، فإن استثارة نزقهم فساد كبير، وسد ذريعته واجب ، ومِنْ ثَمَّ شرع الإِسلام مدارة السفهاء.
حدث أن وقف رجل من أولئك الجهَّال أمام بيت الرسول يريد الدخول ، فرأى النبي أن يحاسنه حتى يصرفه، ولم يكن من ذلك بد – فالحلم فدام السفيه – ولو تركه يسكب ما في طبيعته الفظة لسمع ما تتنزه عنه أذناه!!.
وعن عائشة قالت : استأذن رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (( بئس أخو العشيرة هو)) فلما دخل انبسط إليه وألان له القول ، فلما خرج قلت : يا رسول الله ، حين سمعت الرجل قلت : كذا وكذا ، ثم تطلَّقت في وجهه وانبسطت إليه!! فقال: ((يا عائشة متى عهدتني فاحشاً ؟ إن من شر الناس عند الله تعالى منزلة يوم القيامة، من تركه الناس اتقاء فحشه))
وهذا مسلك تصدقه التجارب ، فإن الرجل لا يسوغ أن يفقد خلقه مع من لا خلق لهم. ولو أن شغل بتأديب كل جهول يلقاه لأعيته الحيل من كثرة ما سوف يلقى . ولذلك عد القرآن الكريم في أوائل الصفات التي يتحلى بها عباد الرحمن ، هذه المدارة العاصمة:
( وَعِبَادُ الرَّحْمن الَّذِنَ يمْشْونَ عَلى الأرْضِ هَوْناً ، وَإذا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونُ قَالُوا سَلاماً )
( وَإِذا سَمِعُوا اللَّغْو أَعْرَضُوا عَنُهْ، وَقَالُوا: لَنَا أَعُمَالنا ولكم أعمَاُلكمْ، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لاَنَبْتَغِي الْجَاهِلِيِنَ)
وقد يكظم الإنسان غيظه مرة أو مرتين ثم ينفجر.
بَيد أن المطلوب من المسلم الفاضل ، أن يطاول الأذى أكثر منذ ذلك حتى لا يدع الشر يسيطر على الموقف آخر الأمر.
عن سعيد بن المسيب قال: (( بينما رسول اللهe جالس في أصحابه وقع رجل بأبي بكر ، فآذاه ، فصمت عنه أبو بكر ، ثم آذاه الثانية فصمت عنه ، ثم آذاه الثالثة، فانتصر أبو بكر رضي الله عنه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم .فقال أبو بكر:أَوَجَدْت علي يا رسول الله؟ قال: لا ، ولكن نزل ملك من السماء يكذبه بما قال ، فلما انتصرت ، ذهب الملك ، وقعد الشيطان ، فلم أكن لأجلس إذ قعد الشيطان))
ومدارة السفهاء لا تعني قبول الدَنيَّة . فالفرق بين الحالين بعيد. الاولى ضبط النفس أمام عوامل الاستفزاز، ومنعها طوعاً أو كرهاً من أن تستجيشها دواعي الغضب وإدراك الثأر. أما الأخرى فهي بلادة النفس، واستكانتها إلى الهون ! وقبولها مالا يرضى به ذو عقل أو مروءة. وقد أعلن القرآن محبته لمدارة السفهاء وكراهيته لقبول الدنية.
( لاَ يُحبُّ اللَّهُ الْجّهْرَ بالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إلاَّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللًَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً. إنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تَعْفُوا عَن سُوءٍ فَإنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوَّاً قدَِيراً)
ومن الضمانات التي اتخذها الإِسلام لصيانة الكلام عن النزق والهوى وتحريمه الجدل ، وسده لأبوابه، حقاً كان أو باطلاً .
ذلك أن هناك أحوالاً تستبد بالنفس، وتغري بالمغالبة، وتجعل المرء يناوش غيره بالحديث، ويصيد الشبهات التي تدعم جانبه، والعبارات التي تروج حجته . فيكون حب الانتصار عنده أهم من إظهار الحق ، وتبرز طبائع العناد والأثرة في صور منكرة، لا يبقى معها مكان لتبيين أو طمأنينة!!. والإسلام ينفر من هذه الأحوال ويعدها خطراً على الدين والفضيلة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من ترك المراء وهو مبطل بُني له بيت من ربض الجنة . ومن تركها وهو محق بُني له في وسطها، ومن حسن خلقه بُني له في أعلاها)) .
وهناك أناس أوتوا بسطة في ألسنتهم، تغريهم بالاشتباك مع العالم والجاهل ، وتجعل الكلام لديهم شهوة غالبة، فهم لا يملونه أبداً .
وهذا الصنف، إذا سلط ذلاقته على شؤون الناس أساء ، وإذا سلطها على حقائق الدين شوه جمالها وأضاع هيبتها.
وقد سخط الإسلام أشد السخط على هذا الفريق الثرثار المتقعر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم )) وقال: (( ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل))
هذا الصنف لا يقف ببسطة لسانه عند حدّ ، إنه يريد الكلام فحسب، يريد أن يباهي به ويستطيل ، إن الألفاظ تأتي في المرتبة الأول، والمعاني في المرتبة الثانية ، أما الغرض النبيل، فربما كان له موضع أخير ، وربما عزّ له موضع، وسط هذا الصخب. ولقد حدث أن واحداً من أولئك الأغرار وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ((عليه شارة حسنة)) فجعل النبي لا يتكلم بكلام إلا كلفته نفسه أن يأتي بكلام يعلو كلام النبي صلى الله عليه وسلم !! فلما انصرف قال رسول الله: (( إن الله لا يحب هذا وأضرابه ، يلوون ألسنتهم للناس ليَّ البقر بلسانها المرعى . كذلك يلوي الله تعالى ألسنتهم ووجوههم في النار ))
والجدال في الدين، والجدال في السياسة، والجدال في العلوم والآداب ، عندما يتصدى له هذا النفر من الأدعياء البلغاء، يفسد به الدين ، وتفسد السياسة والعلوم والآداب ، ولعل السبب في الانهيار العمراني ، والتحزب الفقهي ، والانقسام الطائفي، وغير ذلك مما أصاب الأمة الإسلامية ، هو هذا الجدل الملعون في حقائق الدين ، وشؤون الحياة.
والجدال أبعد شيء عن البحث النزيه والاستدلال الموفق
روي عن عدد من الصحابة ، قالوا: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً ونحن نتمارى في شيء من أمر الدين . فغضب غضباً شديداً لم يغضب مثله ، ثم انتهرنا فقال: (( مهلاً يا أمة محمد ، إنما هلك مَنْ كان قبلكم بهذا ، ذَرُوا المِراء لقلة خيره، ذَروا المِراء فإن المؤمن لا يماري ، ذَروا المِراء فإن المماري قد تمت خسارته، ذروا المراء فكفا أثماً ألا تزال ممارياً ، ذروا المراء فأن المماري لا أشفع له يوم القيامة ، ذروا المراء فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة ، رباضها، ووسطها، وأعلاها لمن ترك المراء وهو صادق. ذّروا المِراء ، فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المِراء))
وللناس مجالس يتجاذبون أطراف الحديث فيها، والإسلام يكره مجالس القاعدين الذين يقضون أوقاتهم في تَسَقُّط الأخبار وتَتبُّع العيوب، لأن لهم فضول أموال يستريحون في ظلها ، وليسوا يجدون شغلاً إلاّ في التسلي بشؤون الآخرين.
( وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ. الَّذي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ. يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلدَهُ. كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ في الْحُطَمَةَ)
وقد فشا في عصرنا هذا الجلوس الجماهير في النوادي والمشارب . وتلك آفة أصابت المجتمع بعلل شتى ، وقد كثرت في المدائن والقرى لغير ضرورة مشروعة.
وفي الحديث : (( اياكم والجلوس في الطرقات. قالوا: يارسول الله مالنا بد من مجالسنا نتحدث فيها. قال: إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حقه يارسول الله ؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر))
المصدر: كتاب خلق المسلم (لشيخ العلامة محمد الغزالي رحمه الله)